إعلان قناتك على يوتيوب
recent
أخبار ساخنة

قِصَّةُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ: قِصَّةُ النَّصْرِ بِالْإِيمَانِ.. كَيْفَ يَنْتَصِرُ الضُّعَفَاءُ؟ (نُسْخَةٌ مَلْحَمِيَّةٌ) ظِلَالُ الْيَأْسِ.. وَسَنَوَاتُ الضَّيَاعِ الْمُرَّةِ

 

قِصَّةُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ: قِصَّةُ النَّصْرِ بِالْإِيمَانِ.. كَيْفَ يَنْتَصِرُ الضُّعَفَاءُ؟ (نُسْخَةٌ مَلْحَمِيَّةٌ)

ظِلَالُ الْيَأْسِ.. وَسَنَوَاتُ الضَّيَاعِ الْمُرَّةِ



بَعْدَ رَحِيلِ النَّبِيِّ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، ذَلِكَ الْقَائِدِ الرَّبَّانِيِّ الَّذِي قَادَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَرْضِ الْمِيعَادِ، تَهَاوَتْ أَرْكَانُ الدَّوْلَةِ، وَتَصَدَّعَتْ أَوَاصِرُ الْمُجْتَمَعِ، وَانْحَدَرَتِ الْأُمَّةُ إِلَى هَاوِيَةِ الْفَوْضَى وَالضَّيَاعِ. لَمْ يَكُنِ الْفَرَاغُ الَّذِي تَرَكَهُ يُوشَعُ فَرَاغًا فِي الْقِيَادَةِ السِّيَاسِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ فَرَاغًا فِي الرُّوحِ، وَفِي الْقُدْوَةِ، وَفِي الِالْتِزَامِ بِتَعَالِيمِ التَّوْرَاةِ. تَلَاشَتِ الْقِيَمُ، وَتَرَاجَعَتِ الْأَخْلَاقُ، وَانْتَشَرَتِ النِّزَاعَاتُ الدَّاخِلِيَّةُ، وَتَجَرَّأَ الْأَعْدَاءُ عَلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِذَا بِهَا تَتَحَوَّلُ إِلَى سَاحَةٍ لِلْحُرُوبِ وَالدَّمَارِ، وَإِلَى مَرْتَعٍ لِلظُّلْمِ وَالْقَهْرِ. أَصْبَحَتِ الْمُدُنُ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، وَالْمَزَارِعُ مُهْمَلَةً، وَالْقُلُوبُ يَائِسَةً. لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ صَوْتٌ لِلْعَقْلِ، وَلَا صَدًى لِلْحَقِّ، وَلَا أَمَلٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعِيشُونَ فِي ظَلَامٍ دَامِسٍ، يُحِيطُ بِهِمُ الْيَأْسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَيُخَيِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. كَانَتْ سَنَوَاتُ الضَّيَاعِ سَنَوَاتٍ مُرَّةً، تَرَكَتْ فِي نُفُوسِهِمْ جِرَاحًا غَائِرَةً، وَفِي قُلُوبِهِمْ حَسْرَةً لَا تَنْتَهِي.

صَمُوئِيلُ.. صَوْتُ الْحَقِّ الْمُلْهِمُ

وَسَطَ هَذَا الظَّلَامِ الدَّامِسِ، بَزَغَ نُورُ الْأَمَلِ فِي شَخْصِيَّةِ النَّبِيِّ صَمُوئِيلَ، ذَلِكَ الرَّجُلِ التَّقِيِّ، الزَّاهِدِ، الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ فِي قَلْبِهِ هَمَّ أُمَّتِهِ، وَفِي عَيْنَيْهِ دُمُوعَ الْأَسَى عَلَى حَالِهِمْ. كَانَ صَمُوئِيلُ بِمَثَابَةِ الصَّوْتِ الصَّادِقِ الَّذِي يَصْدَحُ بِالْحَقِّ فِي وَجْهِ الْبَاطِلِ، وَبِمَثَابَةِ الْقَلْبِ الرَّحِيمِ الَّذِي يُوَاسِي الْمَكْلُومِينَ، وَبِمَثَابَةِ الْعَقْلِ الْحَكِيمِ الَّذِي يُرْشِدُ الضَّالِّينَ. كَانَ صَمُوئِيلُ يَقْضِي اللَّيَالِيَ فِي مِحْرَابِهِ، يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَ أُمَّتَهُ، وَأَنْ يَهْدِيَهُمْ سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَأَنْ يُرْسِلَ لَهُمْ مَنْ يُنْقِذُهُمْ مِنْ هَذَا الذُّلِّ وَالْهَوَانِ. كَانَ صَوْتُهُ مُلْهِمًا، وَكَلِمَاتُهُ مُؤَثِّرَةً، وَتَضَرُّعُهُ مُبْكِيًا. كَانَ صَمُوئِيلُ الْأَمَلَ الْأَخِيرَ الَّذِي يَتَشَبَّثُ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ النُّورَ الْخَافِتَ الَّذِي يُضِيءُ لَهُمْ طَرِيقَهُمْ فِي هَذَا الظَّلَامِ الدَّامِسِ. كَانَ صَمُوئِيلُ رَمْزًا لِلصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَالتَّضْحِيَةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَالتَّفَانِي فِي خِدْمَةِ اللَّهِ وَالْأُمَّةِ.

نِدَاءُ الْخَلَاصِ.. وَآلَامُ الْقَلْبِ الْمَكْلُومِ

تَنَاهَتْ إِلَى مَسَامِعِ صَمُوئِيلَ أَنَّاتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَوَصَلَتْ إِلَى قَلْبِهِ صَرَخَاتُهُمُ الْمَكْتُومَةُ. اجْتَمَعَ إِلَيْهِ وُجَهَاءُ الْقَوْمِ وَكُبَرَاؤُهُمْ وَشُيُوخُهُمْ، وَكَانُوا يَحْمِلُونَ فِي وُجُوهِهِمْ عَلَامَاتِ الْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ، وَفِي قُلُوبِهِمْ أَلَمًا وَحَسْرَةً لَا تَنْتَهِي. تَحَدَّثُوا بِصَوْتٍ خَافِتٍ، وَنَبْرَةٍ حَزِينَةٍ، عَنْ حَالِهِمُ الْمُتَرَدِّي، وَعَنْ ضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ، وَعَنْ تَفَرُّقِهِمْ وَتَنَازُعِهِمْ، وَعَنْ سَيْطَرَةِ الْأَعْدَاءِ عَلَيْهِمْ، وَعَنْ فُقْدَانِهِمْ لِتَابُوتِ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ رَمْزًا لِعِزَّتِهِمْ وَسَكِينَتِهِمْ. كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ بِحَيْرَةٍ: هَلْ نَسِينَا اللَّهَ؟ هَلْ تَخَلَّى عَنَّا؟ هَلْ فَقَدْنَا الْأَمَلَ فِي الْخَلَاصِ؟ كَانَ صَمُوئِيلُ يَسْتَمِعُ إِلَيْهِمْ بِإِنْصَاتٍ، وَيَشْعُرُ بِآلَامِهِمْ، وَيَتَأَثَّرُ بِمُعَانَاتِهِمْ، وَيَتَأَلَّمُ لِأَلَمِهِمْ، وَيَتَمَنَّى أَنْ يَجِدَ لَهُمْ مَخْرَجًا مِنْ هَذَا الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. كَانَ قَلْبُهُ مَكْلُومًا، وَرُوحُهُ مُتَأَلِّمَةً، وَعَيْنَاهُ دَامِعَتَيْنِ. كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْخَلَاصَ لَا يَأْتِي إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.

اخْتِيَارُ السَّمَاءِ.. وَتَحَدِّي الْمَفَاهِيمِ الْمَادِّيَّةِ

عِنْدَمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَمُوئِيلَ بِاخْتِيَارِ طَالُوتَ مَلِكًا، كَانَتْ هَذِهِ بِمَثَابَةِ الصَّفْعَةِ الَّتِي أَيْقَظَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وَالتَّحَدِّي الَّذِي هَزَّ مَفَاهِيمَهُمُ الْمَادِّيَّةَ. لَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ الطَّائِلَةِ، وَلَا مِنْ ذَوِي النُّفُوذِ وَالسُّلْطَانِ، وَلَا مِنْ أَبْنَاءِ الْعَائِلَاتِ الْكَبِيرَةِ، بَلْ كَانَ شَابًّا بَسِيطًا، يَعْمَلُ فِي رَعْيِ الْإِبِلِ، وَيَعِيشُ حَيَاةً مُتَوَاضِعَةً. كَانَ اخْتِيَارُ طَالُوتَ دَرْسًا بَلِيغًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى الْمَظَاهِرِ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى الْقُلُوبِ، وَإِلَى الْأَفْعَالِ، وَإِلَى الْإِيمَانِ. كَانَ اخْتِيَارُ طَالُوتَ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ الْقِيَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّسَبِ، بَلْ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْعَدْلِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ. كَانَ اخْتِيَارُ طَالُوتَ بِمَثَابَةِ إِعْلَانٍ بِأَنَّ اللَّهَ يَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اخْتِيَارَهُ هُوَ الْأَفْضَلُ، وَالْأَصْلَحُ، وَالْأَحْكَمُ.

صِفَاتُ الْقِيَادَةِ.. وَتَجْسِيدُ الْإِخْلَاصِ

لَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مُجَرَّدَ شَابٍّ عَادِيٍّ، بَلْ كَانَ رَجُلًا اسْتِثْنَائِيًّا، يَمْلِكُ صِفَاتٍ قِيَادِيَّةً فَذَّةً، وَمُؤَهِّلَاتٍ فَرِيدَةً. كَانَ طَالُوتُ قَوِيَّ الْبِنْيَةِ، طَوِيلَ الْقَامَةِ، جَسُورَ الْقَلْبِ، حَكِيمَ الْعَقْلِ، ذَا بَصِيرَةٍ نَافِذَةٍ، وَقُدْرَةٍ فَائِقَةٍ عَلَى التَّأْثِيرِ وَالْإِقْنَاعِ. كَانَ طَالُوتُ أَيْضًا مُتَدَيِّنًا، مُخْلِصًا لِلَّهِ، مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ، حَرِيصًا عَلَى إِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَنَشْرِ الْحَقِّ، وَمُسَاعَدَةِ الْمُحْتَاجِينَ. كَانَ طَالُوتُ يُمَثِّلُ الْقَائِدَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالرَّحْمَةِ، بَيْنَ الْعَزْمِ وَالتَّوَاضُعِ، بَيْنَ الشِّدَّةِ وَاللِّينِ. كَانَ طَالُوتُ تَجْسِيدًا لِلْإِخْلَاصِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالصِّدْقِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالتَّفَانِي فِي خِدْمَةِ اللَّهِ وَالْأُمَّةِ. كَانَ طَالُوتُ نَمُوذَجًا لِلْقَائِدِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَّبِعَهُ النَّاسُ، وَأَنْ يَثِقُوا بِهِ، وَأَنْ يَلْتَفُّوا حَوْلَهُ.

عَوْدَةُ التَّابُوتِ.. وَتَجْدِيدُ الْعَهْدِ الْإِلَهِيِّ

كَانَتْ عَوْدَةُ تَابُوتِ الْعَهْدِ حَدَثًا تَارِيخِيًّا عَظِيمًا، هَزَّ مَشَاعِرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَيْقَظَ فِيهِمُ الْأَمَلَ، وَجَدَّدَ فِيهِمُ الْعَهْدَ مَعَ اللَّهِ. لَمْ يَكُنِ التَّابُوتُ مُجَرَّدَ صُنْدُوقٍ خَشَبِيٍّ، بَلْ كَانَ رَمْزًا لِعِزَّتِهِمْ، وَسَكِينَتِهِمْ، وَارْتِبَاطِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَذْكِيرًا لَهُمْ بِتَارِيخِهِمُ الْمَجِيدِ، وَبِعَهْدِهِمْ مَعَ اللَّهِ. كَانَ التَّابُوتُ يَحْوِي آثَارَ الْأَنْبِيَاءِ، مِثْلَ أَلْوَاحِ التَّوْرَاةِ، وَعَصَا مُوسَى، وَبَعْضَ بَقَايَا مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَكَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا بَرَكَةً وَقَدَاسَةً، وَتُذَكِّرُهُمْ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَضَرُورَةِ شُكْرِهِ وَطَاعَتِهِ. كَانَتْ عَوْدَةُ التَّابُوتِ بِمَثَابَةِ رِسَالَةٍ مِنَ اللَّهِ، بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَخَلَّ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُ سَيَحْمِيهِمْ، وَيَنْصُرُهُمْ، وَسَيُوفِيهِمْ بِوَعْدِهِ. كَانَتْ عَوْدَةُ التَّابُوتِ بِمَثَابَةِ دَعْوَةٍ لَهُمْ لِلْعَوْدَةِ إِلَى اللَّهِ، وَلِلتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَلِلْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَتِهِ.

اخْتِبَارُ النَّهْرِ.. وَتَمْيِيزُ الصَّفْوَةِ الْمُؤْمِنَةِ

كَانَ اخْتِبَارُ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَهُ طَالُوتُ عَلَى جَيْشِهِ بِمَثَابَةِ اخْتِبَارٍ قَاسٍ، وَمِقْيَاسٍ دَقِيقٍ لِلْإِيمَانِ وَالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ. لَمْ يَكُنِ الْهَدَفُ مِنَ الِاخْتِبَارِ هُوَ تَقْلِيلَ عَدَدِ الْجَيْشِ، بَلْ كَانَ الْهَدَفُ هُوَ غَرْبَلَةَ الْقُلُوبِ، وَتَمْيِيزَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ، وَيَتَحَمَّلُونَ الِابْتِلَاءَاتِ بِصَبْرٍ وَثَبَاتٍ، وَلَا يَسْتَسْلِمُونَ لِأَهْوَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ. كَانَ الِاخْتِبَارُ بِمَثَابَةِ دَرْسٍ فِي أَهَمِّيَّةِ طَاعَةِ الْقَائِدِ، وَالثِّقَةِ فِي قَرَارَاتِهِ، وَالِالْتِزَامِ بِأَوَامِرِهِ. كَانَ الِاخْتِبَارُ أَيْضًا بِمَثَابَةِ تَحْذِيرٍ مِنَ النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ، وَمِنِ اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَمِنَ الِانْشِغَالِ بِالدُّنْيَا الْفَانِيَةِ عَنِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ.

جَالُوتُ.. الْعِمْلَاقُ الْمُتَغَطْرِسُ وَالرَّمْزُ الزَّائِفُ لِلْقُوَّةِ

كَانَ جَالُوتُ تَجْسِيدًا لِلْقُوَّةِ الْمَادِّيَّةِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلِلْغَطْرَسَةِ وَالْغُرُورِ، وَلِلظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ. كَانَ جَالُوتُ رَجُلًا عِمْلَاقًا، ضَخْمَ الْجُثَّةِ، قَوِيَّ الْبِنْيَةِ، يَرْتَدِي دُرُوعًا ثَقِيلَةً، وَيَحْمِلُ سَيْفًا كَبِيرًا وَرُمْحًا طَوِيلًا. كَانَ جَالُوتُ يَتَبَاهَى بِقُوَّتِهِ، وَبِبَطْشِهِ، وَبِجَبَرُوتِهِ، وَكَانَ يَسْتَهْزِئُ بِجَيْشِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَتَحَدَّى اللَّهَ وَرُسُلَهُ. كَانَ جَالُوتُ يُمَثِّلُ الْبَاطِلَ الَّذِي يَتَظَاهَرُ بِالْقُوَّةِ، وَلَكِنَّهُ فِي حَقِيقَتِهِ ضَعِيفٌ وَهَزِيلٌ، وَقَابِلٌ لِلزَّوَالِ. كَانَ جَالُوتُ يُمَثِّلُ الظُّلْمَ الَّذِي يَتَبَجَّحُ بِالْبَطْشِ، وَلَكِنَّهُ فِي نِهَايَتِهِ مُنْهَارٌ وَمَكْسُورٌ. كَانَ جَالُوتُ رَمْزًا زَائِفًا لِلْقُوَّةِ، يَخْدَعُ النَّاسَ بِمَظْهَرِهِ، وَيُخْفِي وَرَاءَهُ الضَّعْفَ وَالْجُبْنَ.

دَاوُدُ.. الشَّابُّ الْمُؤْمِنُ وَالرَّمْزُ الْحَقِيقِيُّ لِلْقُوَّةِ

كَانَ دَاوُدُ عَلَى النَّقِيضِ مِنْ جَالُوتَ، فَقَدْ كَانَ يُمَثِّلُ الْقُوَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَالْقُوَّةَ الرُّوحِيَّةَ، وَالْقُوَّةَ الَّتِي تَنْبَعُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ. لَمْ يَكُنْ دَاوُدُ شَابًّا عَادِيًّا، بَلْ كَانَ شَابًّا اسْتِثْنَائِيًّا، مُؤْمِنًا بِاللَّهِ، مُتَوَاضِعًا، شُجَاعًا، ذَا قَلْبٍ نَقِيٍّ، وَرُوحٍ صَافِيَةٍ. كَانَ دَاوُدُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ، وَلَكِنْ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِاللَّهِ، وَكَانَ عَقْلُهُ مَشْغُولًا بِذِكْرِ اللَّهِ، وَكَانَتْ رُوحُهُ مُتَلَهِّفَةً لِمُلَاقَاةِ اللَّهِ. كَانَ دَاوُدُ يَمْلِكُ قُوَّةً إِيمَانِيَّةً هَائِلَةً، وَثِقَةً لَا تَتَزَعْزَعُ بِنَصْرِ اللَّهِ، وَيَقِينًا بِأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمَظْلُومِينَ، وَأَنَّهُ سَيَخْذُلُ الظَّالِمِينَ. كَانَ دَاوُدُ مُتَوَاضِعًا، لَا يَغْتَرُّ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَتَبَاهَى بِقُوَّتِهِ، بَلْ يَنْسِبُ الْفَضْلَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ.

الْمِقْلَاعُ وَالْحَجَرُ.. سِلَاحُ الْإِيمَانِ وَالتَّحَدِّي

لَمْ يَكُنْ مِقْلَاعُ دَاوُدَ وَحَجَرُهُ مُجَرَّدَ أَدَوَاتٍ بَسِيطَةٍ، بَلْ كَانَا سِلَاحًا فَعَّالًا، وَمَدْفُوعًا بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ، وَالتَّصْمِيمِ، وَالثِّقَةِ بِاللَّهِ. كَانَ الْمِقْلَاعُ رَمْزًا لِلْإِرَادَةِ الْقَوِيَّةِ، وَالْعَزْمِ الثَّابِتِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، وَكَانَ الْحَجَرُ رَمْزًا لِلصِّدْقِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالْيَقِينِ بِنَصْرِ اللَّهِ. كَانَ مِقْلَاعُ دَاوُدَ وَحَجَرُهُ يُمَثِّلَانِ التَّحَدِّي لِلظُّلْمِ، وَلِلطُّغْيَانِ، وَلِلْقُوَّةِ الْمَادِّيَّةِ الزَّائِفَةِ. كَانَ مِقْلَاعُ دَاوُدَ وَحَجَرُهُ يُمَثِّلَانِ قُوَّةَ الْحَقِّ، وَقُوَّةَ الْإِيمَانِ، وَقُوَّةَ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يَتَسَلَّحُونَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ. كَانَ مِقْلَاعُ دَاوُدَ وَحَجَرُهُ سِلَاحًا رُوحِيًّا، يَهْدِفُ إِلَى تَحْطِيمِ الْبَاطِلِ، وَإِعْلَاءِ الْحَقِّ، وَإِظْهَارِ عَظَمَةِ اللَّهِ.

مَصْرَعُ جَالُوتَ.. وَإِعْلَانُ انْتِصَارِ الْإِيمَانِ

عِنْدَمَا سَقَطَ جَالُوتُ قَتِيلًا، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُجَرَّدَ سُقُوطٍ لِرَجُلٍ، بَلْ كَانَ سُقُوطًا لِلْبَاطِلِ، وَإِعْلَانًا لِانْتِصَارِ الْحَقِّ. كَانَ سُقُوطُ جَالُوتَ بِمَثَابَةِ زِلْزَالٍ مُدَوٍّ، هَزَّ أَرْكَانَ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، وَأَيْقَظَ الْقُلُوبَ الْغَافِلَةَ، وَأَعْلَنَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَوِيُّ الْقَاهِرُ، وَأَنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. كَانَ سُقُوطُ جَالُوتَ بِمَثَابَةِ دَرْسٍ بَلِيغٍ لِلظَّالِمِينَ وَالْمُسْتَكْبِرِينَ، بِأَنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، وَأَنَّهُ سَيَأْخُذُهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ. كَانَ سُقُوطُ جَالُوتَ أَيْضًا بِمَثَابَةِ بُشْرَى لِلْمَظْلُومِينَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ، بِأَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُمْ، وَسَيُؤَيِّدُهُمْ، وَسَيُعِيدُ إِلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ. كَانَ سُقُوطُ جَالُوتَ أَيْضًا بِمَثَابَةِ تَذْكِيرٍ بِأَنَّ الْقُوَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِي الْجَسَدِ، بَلْ فِي الْقَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَأَنَّ الْعِزَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ، بَلْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ.

دَاوُدُ الْمَلِكُ.. وَتَأْسِيسُ مَمْلَكَةِ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ

بَعْدَ وَفَاةِ طَالُوتَ، تَوَلَّى دَاوُدُ الْمُلْكَ، وَأَسَّسَ مَمْلَكَةً قَوِيَّةً، وَعَادِلَةً، وَرَحِيمَةً، وَانْتَشَرَ الْعَدْلُ وَالْأَمَانُ فِي رُبُوعِهَا، وَازْدَهَرَتِ الْحَضَارَةُ، وَعَمَّ الرَّخَاءُ وَالْخَيْرُ. كَانَ دَاوُدُ مَلِكًا حَكِيمًا، عَادِلًا، ذَا بَصِيرَةٍ نَافِذَةٍ، وَقَلْبٍ رَحِيمٍ، وَيَدًا كَرِيمَةً. كَانَ دَاوُدُ يَحْرِصُ عَلَى إِقَامَةِ شَرْعِ اللَّهِ، وَنَشْرِ دِينِهِ، وَتَوْحِيدِ كَلِمَةِ الْأُمَّةِ، وَتَأْمِينِ حُقُوقِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَظْلُومِينَ. كَانَ دَاوُدُ أَيْضًا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الزَّبُورَ، وَكَانَ يَرْتِلُ الزَّبُورَ بِصَوْتٍ عَذْبٍ، يَمْلَأُ الْقُلُوبَ خُشُوعًا، وَيُذِيبُ الْأَرْوَاحَ شَوْقًا إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ. كَانَ دَاوُدُ نَمُوذَجًا لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ، الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالرَّحْمَةِ، بَيْنَ الْعِزَّةِ وَالتَّوَاضُعِ.

الْخَاتِمَةُ الْأَبَدِيَّةُ.. وَالصَّدَى الْخَالِدُ لِلنَّصْرِ بِالْإِيمَانِ

تَبْقَى قِصَّةُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ قِصَّةً أَبَدِيَّةً، تَتَنَاقَلُهَا الْأَجْيَالُ، وَتَحْكِيهَا الْحِكَايَاتُ، وَتُجَسِّدُهَا الْأَسَاطِيرُ، وَتَبْقَى مُلْهِمَةً لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَيَتَمَسَّكُ بِالْحَقِّ، وَيُقَاوِمُ الظُّلْمَ. تَبْقَى قِصَّةُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ تَذْكِيرًا بِأَنَّ النَّصْرَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ فِي الْقُوَّةِ الْمَادِّيَّةِ، بَلْ فِي قُوَّةِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الضُّعَفَاءَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْتَصِرُوا بِإِيمَانِهِمْ، وَأَنَّ الْحَقَّ لَابُدَّ أَنْ يَنْتَصِرَ فِي النِّهَايَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ لَنْ يُضِيعَ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. تَبْقَى قِصَّةُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ دَعْوَةً لَنَا لِلتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، وَلِلثِّقَةِ بِهِ، وَلِلتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ، وَلِلْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَتِهِ، لِكَيْ نَنَالَ رِضَاهُ وَنَصْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَلْتَكُنْ قِصَّةُ طَالُوتَ وَجَالُوتَ نِبْرَاسًا لَنَا فِي حَيَاتِنَا، وَهَادِيًا لَنَا فِي طَرِيقِنَا، وَمَصْدَرًا لِإِلْهَامِنَا فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ وَالصِّعَابِ.

 



google-playkhamsatmostaqltradent