أنبياء أحياء حتى اليوم: أسرار غامضة وحكمة إلهية ستذهلك - اكتشف القصة الكاملة
فِي زِحَامِ الْحَيَاةِ وَصَخَبِهَا، نَغْفُلُ كَثِيرًا عَنِ الْغَيْبِيَّاتِ الَّتِي تَسْكُنُ قُلُوبَنَا وَتُنِيرُ عُقُولَنَا. نَحْنُ الْبَشَرَ، مَهْمَا بَلَغَتْ مَعْرِفَتُنَا وَتَقَدُّمُنَا، نَجِدُ أَنْفُسَنَا أَمَامَ حُجُبِ الْغَيْبِ عَاجِزِينَ، تَتَقَاذَفُنَا الْأَسْئِلَةُ وَتَطُوفُ فِي أَذْهَانِنَا أَفْكَارٌ لَا تَنْتَهِي. وَمِنْ بَيْنِ أَعْظَمِ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ الَّتِي تُلْهِبُ خَيَالَنَا وَتُثِيرُ قُلُوبَنَا: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ بَيْنَنَا حَتَّى الْآنَ؟ مَا الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَرَاءَ ذَلِكَ؟ وَمَا الْقَصَصُ الَّتِي تَحْمِلُهَا سِيرُهُمُ الْعَطِرَةُ؟
فِي هَذَا الْمَقَالِ، سَنَنْطَلِقُ مَعًا فِي رِحْلَةٍ عَبْرَ الزَّمَانِ وَالْغَيْبِ لِنَغُوصَ فِي أَعْمَاقِ قَصَصِ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَعْظَمِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُقَالُ إِنَّهُمْ مَا زَالُوا أَحْيَاءً بِأَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. إِنَّهُمْ عِيسَى، وَالْخَضِرُ، وَإِلْيَاسُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. هَذِهِ الْقَصَصُ لَيْسَتْ فَقَطْ رِوَايَاتٍ لِلتَّأَمُّلِ، بَلْ هِيَ رَسَائِلُ عَمِيقَةٌ تَحْمِلُ مَعَانِي الْإِيمَانِ وَالصَّبْرِ وَالْعِبْرَةِ لِمَنْ يَتَفَكَّرُ.
النَّبِيُّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَسُولُ الرَّحْمَةِ الَّذِي رَفَعَهُ اللهُ
### نَشْأَتُهُ وَمُعْجِزَاتُهُ
وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمُعْجِزَةٍ إِلَهِيَّةٍ لَا نَظِيرَ لَهَا، حَيْثُ نَفَخَ اللهُ فِي السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَجَاءَ عِيسَى إِلَى الدُّنْيَا دُونَ أَبٍ، لِيَكُونَ آيَةً لِلْبَشَرِيَّةِ جَمِيعًا. مُنْذُ وِلَادَتِهِ، كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخْتَلِفًا عَنْ سَائِرِ الْبَشَرِ. كَانَتِ السَّيِّدَةُ مَرْيَمُ تَعِيشُ فِي مِحْرَابِهَا، مُنْعَزِلَةً عَنْ قَوْمِهَا، تَخْدُمُ اللهَ وَتَعِيشُ فِي طَهَارَةٍ تَامَّةٍ. فَجَاءَتْ لَحْظَةُ الْوِلَادَةِ الَّتِي مَلَأَتْ قَلْبَهَا بِالرَّهْبَةِ، لَكِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيْهَا أَنْ لَا تَخَافَ وَلَا تَحْزَنَ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّحْظَةُ بَدَايَةَ ظُهُورِ آيَةٍ جَدِيدَةٍ لِلْبَشَرِيَّةِ.
مَا إِنْ وُلِدَ عِيسَى حَتَّى تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ، دِفَاعًا عَنْ طَهَارَةِ أُمِّهِ وَبَرَاءَتِهَا، لِيَقُولَ بِأَعْلَى صَوْتٍ:
(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ
الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)
(سورة مريم: 30).
كَانَتْ كَلِمَاتُهُ تِلْكَ بِمَثَابَةِ إِعْلَانٍ لِلنَّاسِ بِأَنَّ مَا حَدَثَ كَانَ بِقُدْرَةِ اللهِ، وَبِأَنَّ أُمَّهُ بَرِيئَةٌ مِمَّا يَظُنُّ النَّاسُ بِهَا. نَشَأَ النَّبِيُّ عِيسَى وَسَطَ قَوْمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، يَعْبُدُونَ الْمَالَ وَيَعِيشُونَ فِي فَسَادِهِمْ وَظُلْمِهِمْ لِبَعْضِهِمُ الْبَعْضِ. أُرْسِلَ إِلَيْهِ اللهُ الْإِنْجِيلَ لِيَهْدِيَهُمْ، وَكَانَ الْإِنْجِيلُ مَلِيئًا بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، لِيُعِيدَ إِلَيْهِمُ الْبُوصَلَةَ الْمَفْقُودَةَ نَحْوَ الْحَقِّ.
مَنَحَ اللهُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْجِزَاتٍ عَظِيمَةً: شِفَاءَ الْمَرْضَى الَّذِينَ لَمْ يَجِدُوا عِلَاجًا، وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ، وَإِخْبَارَ النَّاسِ بِمَا يُخْفُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَصُدُورِهِمْ. تِلْكَ الْمُعْجِزَاتُ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ قُدْرَاتٍ خَارِقَةٍ، بَلْ كَانَتْ رِسَالَةَ حُبٍّ وَرَحْمَةٍ لِلْبَشَرِيَّةِ، لِتُعِيدَهُمْ إِلَى طَرِيقِ النُّورِ. لَكِنْ رَغْمَ كُلِّ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ، كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي عِنَادِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، مُتَّهِمِينَ عِيسَى وَأُمَّهُ زُورًا وَبُهْتَانًا، حَتَّى أَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ مَلِيئَةً بِالْحِقْدِ وَالْكَرَاهِيَةِ.
### مُؤَامَرَةُ الصَّلْبِ وَرَفْعُهُ إِلَى السَّمَاءِ
بَلَغَ كُفْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذُرْوَتَهُ عِنْدَمَا حَاوَلُوا قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. دَبَّرُوا مُؤَامَرَةً لِصَلْبِهِ وَقَتْلِهِ، مُسْتَخْدِمِينَ كُلَّ أَسَالِيبِ الْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ. لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، وَفِي لَحْظَةٍ حَاسِمَةٍ، رَفَعَ اللهُ عِيسَى إِلَيْهِ، وَنَجَّاهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ. قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ:
(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)
(سورة النساء: 157).
كَانَ رَفْعُ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ مَشْهَدًا مُهِيبًا، لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي التَّارِيخِ. بَقِيَ عِيسَى حَيًّا، مَرْفُوعًا إِلَى السَّمَاءِ بِأَمْرِ اللهِ، لِيَكُونَ شَاهِدًا عَلَى أَقْدَارِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ. وَمَا زَالَتْ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ تَشْغَلُ عُقُولَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ وَعَدَ اللهُ بِعَوْدَتِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيُقِيمَ الْعَدْلَ، وَيَقْتُلَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ الَّذِي يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ.
النَّبِيُّ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْعَبْدُ الصَّالِحُ ذُو الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ
### لِقَاؤُهُ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ شَخْصِيَّةٌ غَامِضَةٌ وَمُثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. اِلْتَقَى بِهِ النَّبِيُّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ تَلَقَّى أَمْرًا مِنَ اللهِ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ الْعِلْمَ اللَّدُنِّيَّ، وَهُوَ عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ. بَدَأَتِ الْقِصَّةُ عِنْدَمَا شَعَرَ مُوسَى بِرَغْبَةٍ عَمِيقَةٍ فِي مَعْرِفَةِ أَسْرَارِ هَذَا الْعَالَمِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ بِأَنَّ هُنَاكَ عَبْدًا صَالِحًا يَمْتَلِكُ عِلْمًا خَاصًّا، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ إِلَّا مِنْ خِلَالِ التَّجْرِبَةِ الْمُبَاشِرَةِ.
بَعْدَ رِحْلَةٍ شَاقَّةٍ، وَجَدَ مُوسَى الْخَضِرَ عِنْدَ مُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ:
(قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ
عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)
(سورة الكهف: 66).
وَافَقَ الْخَضِرُ، وَلَكِنْ بِشَرْطٍ: أَلَّا يَسْأَلَ مُوسَى عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَرَاهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ هُوَ بِتَفْسِيرِهِ. كَانَتْ رِحْلَةُ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ مَلِيئَةً بِالْأَحْدَاثِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ اسْتِيعَابَهَا بِسُهُولَةٍ. قَامَ الْخَضِرُ بِثَقْبِ سَفِينَةٍ كَانَ أَصْحَابُهَا مَسَاكِينُ يَعْتَاشُونَ مِنْهَا، ثُمَّ قَتَلَ غُلَامًا كَانَ يَبْدُو بَرِيئًا، وَأَقَامَ جِدَارًا فِي قَرْيَةٍ بَخِلَ أَهْلُهَا عَلَيْهِمْ بِالطَّعَامِ وَالضِّيَافَةِ.
فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ مُوسَى يَعْتَرِضُ، وَيَقُولُ لِلْخَضِرِ: "لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟"، وَلَكِنْ فِي النِّهَايَةِ كَشَفَ الْخَضِرُ عَنْ حِكْمَةِ أَفْعَالِهِ، لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ بِأَمْرِ اللهِ وَلِحِكْمَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ. كَانَ الْغُلَامُ سَيَكْبَرُ لِيَكُونَ طَاغِيَةً يُرْهِقُ وَالِدَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ، وَكَانَتِ السَّفِينَةُ سَتُغْتَصَبُ مِنْ قِبَلِ مَلِكٍ ظَالِمٍ إِنْ لَمْ تُثْقَبْ، أَمَّا الْجِدَارُ فَقَدْ كَانَ يُخْفِي كَنْزًا لِطِفْلَيْنِ يَتِيمَيْنِ.
### هَلْ الْخَضِرُ مَا زَالَ حَيًّا؟
تُشِيرُ الرِّوَايَاتُ إِلَى أَنَّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا زَالَ حَيًّا، يَجُوبُ الْأَرْضَ بِأَمْرِ اللهِ، مُتَنَقِّلًا بَيْنَ بُقَاعِ الْأَرْضِ لِيَنْشُرَ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعِينَ الْمَظْلُومِينَ. يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ حَيَاتَهُ الطَّوِيلَةَ تَعُودُ لِحِكْمَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَدْ أُعْطِيَ عِلْمًا خَاصًّا لِيَكُونَ شَاهِدًا عَلَى أَقْدَارِ اللهِ وَلِيَنْشُرَ الْحِكْمَةَ بَيْنَ النَّاسِ. يُقَالُ إِنَّ الْخَضِرَ يَظْهَرُ أَحْيَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ لِيُعِينَهُمْ فِي لَحَظَاتِ الشِّدَّةِ، وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ نُورٍ فِي ظَلَامِ الْمِحْنَةِ، حَيْثُ يُقَدِّمُ الْإِرْشَادَ وَالنَّصْحَ لِلْمُحْتَاجِينَ وَيُظْهِرُ لَهُمُ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ. كَمَا يُذْكَرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَلْتَقِي بِالنَّبِيِّ إِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، حَيْثُ يُرْوَى أَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ أَوْقَاتًا فِي الْعِبَادَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَيَطُوفَانِ مَعًا حَوْلَ الْكَعْبَةِ، لِيَكُونَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، مُجَدِّدَيْنِ الْعَهْدَ مَعَ اللهِ، وَمُقَدِّمَيْنِ دُعَاءً لِلْبَشَرِيَّةِ بِالْهِدَايَةِ وَالسَّلَامِ. وَتُضِيفُ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْخَضِرَ يَظْهَرُ فِي أَوْقَاتٍ مُحَدَّدَةٍ لِيَقُومَ بِأَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ لَا يُدْرِكُهَا النَّاسُ، مِثْلَ مُسَاعَدَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَالْإِسْهَامِ فِي حِمَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَخْطَارِ الَّتِي قَدْ تَحِيطُ بِهِمْ دُونَ عِلْمِهِمْ.
النَّبِيُّ إِلْيَاسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: نَبِيُّ الدَّعْوَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ
### رِسَالَتُهُ إِلَى قَوْمِهِ
إِلْيَاسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ نَبِيٌّ آخَرُ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، أُرْسِلَ إِلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَتَرَكُوا عِبَادَةَ اللهِ الْوَاحِدِ. كَانَ قَوْمُ إِلْيَاسَ يَعِيشُونَ فِي رَفَاهِيَةٍ، يَعْبُدُونَ صَنَمًا يُدْعَى "بَعْلَ"، وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا الصَّنَمَ يُجْلِبُ لَهُمُ الرِّزْقَ وَالْبَرَكَاتِ، وَكَانُوا يُقِيمُونَ لَهُ طُقُوسًا فَاخِرَةً، يُقَدِّمُونَ لَهُ الْقَرَابِينَ، وَيَحْتَفِلُونَ بِهِ فِي مَوَاسِمَ مُعَيَّنَةٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُ سَيَمْنَحُهُمُ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ. دَعَاهُمْ إِلْيَاسُ بِصِدْقٍ وَصَبْرٍ، مُحَذِّرًا إِيَّاهُمْ مِنْ غَضَبِ اللهِ إِنِ اسْتَمَرُّوا فِي كُفْرِهِمْ، وَكَانَ يَجُوبُ الْقُرَى وَالْبَلْدَاتِ، يَلْتَقِي بِالنَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَيَزُورُ الْمَجَالِسَ، مُحَاوِلًا إِقْنَاعَهُمْ بِالتَّخَلِّي عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. كَانَ إِلْيَاسُ يُوَاجِهُ تَحَدِّيَاتٍ كَبِيرَةٍ، حَيْثُ كَانَ زُعَمَاءُ الْقَوْمِ يُحَرِّضُونَ النَّاسَ ضِدَّهُ، وَيَصِفُونَهُ بِالْمَجْنُونِ، وَيُهَدِّدُونَهُ بِالْأَذَى إِذَا لَمْ يَكُفَّ عَنْ دَعْوَتِهِ. رَغْمَ كُلِّ ذَلِكَ، لَمْ يَيْأَسْ إِلْيَاسُ، بَلْ ظَلَّ ثَابِتًا عَلَى مَوْقِفِهِ، يُوَاصِلُ دَعْوَتَهُ لَيْلَ نَهَارَ، وَكَانَ يَلْجَأُ إِلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ، يَطْلُبُ مِنْهُ الصَّبْرَ وَالْقُوَّةَ. قَالَ لَهُمْ:
(أَلَا تَتَّقُونَ ۞ أَتَدْعُونَ
بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)
(سورة الصافات: 124-125).
وَرَغْمَ دَعْوَتِهِ الْمُخْلِصَةِ، كَانَ قَوْمُهُ فِي عِنَادِهِمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ مِمَّنْ آمَنُوا بِرِسَالَةِ إِلْيَاسَ. كَانَتْ دَعْوَتُهُ مِثَالًا لِلصَّبْرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْحَقِّ، رَغْمَ الصُّعُوبَاتِ وَالتَّحَدِّيَاتِ.
### حَيَاتُهُ الْأَبَدِيَّةُ؟
يُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ إِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَمُتْ، وَأَنَّ اللهَ أَبْقَاهُ حَيًّا لِيَظَلَّ شَاهِدًا عَلَى عَاقِبَةِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ. وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ إِلْيَاسَ يَلْتَقِي بِالْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ الطَّوَافَ مَعًا، وَأَنَّ إِلْيَاسَ يَعِيشُ فِي أَمَاكِنَ نَائِيَةٍ، بَعِيدًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، لِيَظَلَّ فِي عِبَادَةٍ دَائِمَةٍ لِلهِ.
الْحِكْمَةُ مِنْ بَقَائِهِمْ أَحْيَاءً
يَبْقَى السُّؤَالُ: لِمَاذَا أَبْقَى اللهُ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءً؟
الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ تَعُودُ إِلَى عِدَّةِ أُمُورٍ:
1. **إِظْهَارُ قُدْرَةِ اللهِ**: حَيَاتُهُمُ الطَّوِيلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ فَوْقَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَأَنَّ أَقْدَارَهُ لَا تُقَاسُ بِمَفَاهِيمِنَا الْبَشَرِيَّةِ. إِنَّهَا رِسَالَةٌ لِلْبَشَرِيَّةِ بِأَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.
2. **رِسَالَةٌ لِلْبَشَرِيَّةِ**: وُجُودُهُم يُذَكِّرُ النَّاسَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَكُونُوا مُجَرَّدَ شَخْصِيَّاتٍ تَارِيخِيَّةٍ، بَلْ هُمْ رُسُلٌ يَحْمِلُونَ رَسَائِلَ خَالِدَةً تَتَجَاوَزُ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ، رَسَائِلَ تَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
3. **الِاسْتِعْدَادُ لِلْأَحْدَاثِ الْكُبْرَى**: خُصُوصًا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَيْثُ سَيَكُونُ لِعَوْدَتِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَوْرٌ حَاسِمٌ فِي تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ. سَيَعُودُ لِيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَيُقِيمَ الْعَدْلَ فِي الْأَرْضِ، لِيَكُونَ هَذَا الْفَصْلَ الْأَخِيرَ مِنْ قِصَّةِ الصِّرَاعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
الْخَاتِمَةُ: التَّأَمُّلُ فِي غَيْبِيَّاتِ اللهِ
قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُقَالُ إِنَّهُمْ أَحْيَاءٌ حَتَّى الْيَوْمِ تَفْتَحُ أَمَامَنَا أَبْوَابًا لِلتَّفَكُّرِ فِي حِكْمَةِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ. إِنَّهَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قَصَصٍ لِلتَّسْلِيَةِ، بَلْ هِيَ دُرُوسٌ عَنِ الْإِيمَانِ وَالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ بِقُدْرَةِ اللهِ. مَهْمَا بَلَغَ عِلْمُنَا، سَنَظَلُّ عَاجِزِينَ عَنْ إِدْرَاكِ كُلِّ الْغَيْبِ، وَلَكِنَّ الْإِيمَانَ يَجْعَلُنَا نُوقِنُ بِأَنَّ وَرَاءَ كُلِّ شَيْءٍ حِكْمَةً عَظِيمَةً.
إِذَا اسْتَفَدْتَ مِنْ هَذِهِ
الْقِصَّةِ الشَّيِّقَةِ وَالْمَلِيئَةِ بِالدُّرُوسِ، نَدْعُوكَ لِلِاشْتِرَاكِ
فِي الْقَنَاةِ، وَتَفْعِيلِ زِرِّ الْجَرَسِ لِيَصِلَكَ الْمَزِيدُ مِنَ
الْقَصَصِ الْمُمْتِعَةِ وَالْمُفِيدَةِ. لَا تَنْسَ دَعْمَنَا بِالْإِعْجَابِ
وَالْمُشَارَكَةِ، فَهَذَا يُعِينُنَا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَتَقْدِيمِ
الْأَفْضَلِ. شُكْرًا لَكُمْ، وَإِلَى اللِّقَاءِ فِي فِيدْيُو جَدِيدٍ!