هل الارض كروية ام مسطحة وما الدليل
اليومَ
سنتحدَّثُ في شيءٍ واقعيٍّ جدًا، ولا يحتوي على أيِّ نظرياتٍ. كلُّنا نعرفُ أنَّ
الأنهارَ مياهٌ جاريةٌ لها منبعٌ ومصبٌّ، لكن اليومَ، وبالذاتِ، أريدُ أن أعرفَ
وجهةَ نظركَ أنتَ عن الأنهارِ هذهِ واتجاهِ سيرِها على الكرةِ الأرضيةِ. يعني،
الأنهارُ هذهِ تمشي من الشمالِ إلى الجنوبِ أم من الجنوبِ إلى الشمالِ؟ طبعًا،
عزيزي، إذا قلتَ أنَّ الأنهارَ تمشي من الشمالِ إلى الجنوبِ، فذلكَ سيكونُ أمرًا
منطقيًا جدًا، ردًا طبيعيًا، لأنك إذا جلبتَ كرةً ووضعَ عليها ماءً، سيكونُ
طبيعيًا أنَّ الماءَ يمشي من الأعلى إلى الأسفل. أما إذا قلتَ أنَّ الأنهارَ على
الكرةِ الأرضيةِ تمشي من الأسفلِ إلى الأعلى، فهذه ستكونُ مشكلةً كبيرةً بالنسبةِ
لك، وستظلُّ تبحثُ عن أسبابٍ لإقناعي بذلكَ بأيِّ طريقةٍ، لكن المشكلةَ الأكبرَ هي
أنَّه حتى لو وجدتَ أسبابًا وهميةً لتقنعني بها، لن تستطيعَ قولها بقلبٍ مرتاحٍ
وتكونُ واثقًا منها. لماذا؟ لأنَّ على الكرةِ الأرضيةِ التي تتحدثُ عنها، هناكَ
أنهارٌ تمشي من الشمالِ إلى الجنوبِ، وهناكَ أنهارٌ أخرى تمشي من الجنوبِ إلى
الشمالِ.
لذلك،
أريدُك أن تهدأَ تمامًا ولا تستعجلَ في الإجابةِ، وسأشرحُ لك الموضوعَ بالتفصيلِ.
على سبيلِ المثالِ، لدينا نهرا دجلةَ والفراتِ، وهما يمشيانِ من الشمالِ إلى
الجنوبِ، هذا أمرٌ عاديٌ جدًا. لكن بالقربِ منهما، في أفريقيا، لدينا نهرُ النيلِ
الذي يمشي من الجنوبِ إلى الشمالِ، وهذه ليستِ معلوماتٍ سريةً، ولا كلامٌ جئتُ به
من عندي، بل يمكنكَ التأكدُ منها بسهولةٍ عبرَ بحثٍ بسيطٍ. لكن المشكلةَ الكبرى
هي: كيف يحدثُ ذلكَ على الكرةِ الأرضيةِ؟
على
سبيلِ المثالِ، نهرُ النيلِ لهُ منبعانِ رئيسيانِ: النيلُ الأزرقُ الذي يأتي من
إثيوبيا، والنيلُ الأبيضُ الذي يأتي من أوغندا، ويتجمعانِ في السودانِ، ثم يسيرانِ
في نفسِ الاتجاهِ حتى يصبّانِ في البحرِ الأبيضِ المتوسطِ. طولُ نهرِ النيلِ،
عزيزي، 6500 كم، وهذا يلفتُ انتباهَك إلى شيءٍ مهمٍ جدًا. المنبعُ الأولُ للنيلِ
الأزرقِ يأتي من إثيوبيا، وهو فوقَ دائرةِ الاستواءِ، أقربُ إلى الشمالِ، أما
المنبعُ الثانيُ الذي يأتي من أوغندا فهو تحتَ دائرةِ الاستواءِ. فإذا نظرتَ إلى
الكرةِ الأرضيةِ، عزيزي، ستجدُ أنَّ نهرَ النيلِ يأتي من الأسفلِ إلى الأعلى، وليس
فقط من الأسفلِ إلى الأعلى بسببِ الاتجاهِ، بل لأنه يعبرُ الانحناءَ الأرضيَّ
ويكملُ في الاتجاهِ الأعلى حتى المصبِّ.
أصلاً،
عزيزي، سطحُ الماءِ لا ينحني، وهذه حقيقةٌ معروفةٌ للجميعِ. ولكن حتى إذا افترضنا
أنَّ سطحَ الماءِ قد انحنى بسببِ الجاذبيةِ التي تتحدثُ عنها، المفروضُ أنَّ
الجاذبيةَ هذه ستشدُّ الماءَ إلى الأسفلِ، وبالتالي يجبُ أن يكونَ اتجاهُ الماءِ
إلى الأسفلِ وليس إلى الأعلىِ. حتى إذا وضعتَ الكرةَ على جانبِها وجعلتَ الجزءَ
المرتفعَ من دائرةِ الاستواءِ إلى الأعلىِ، من المفترضِ أنَّ الماءَ الذي يكونُ
شمالَ دائرةِ الاستواءِ ينزلُ باتجاهِ الشمالِ، والماءَ الذي يكونُ جنوبَ دائرةِ
الاستواءِ يتحركُ باتجاهِ الجنوبِ. هذا أمرٌ منطقيٌّ. أنا أعلمُ، عزيزي، أنه عندما
كنتَ تتعلمُ عن الكرةِ الأرضيةِ وأنتَ صغيرٌ، لم يخبرك أحدٌ بهذا، ولم تسألْ عنه،
لكنني قمتُ بمهمةِ البحثِ هذهِ ودورتُ على العلماءِ الذين يدرسونَ الكرةَ
الأرضيةَ، ووجدتُ أنهم يقولونَ أنَّ الماءَ يتدفقُ من الأعلى إلى الأسفلِ بسببِ
الجاذبيةِ، لكنهم في نفسِ الوقتِ يقولونَ أنَّ "الأعلى"
و"الأسفل" هما اتجاهاتٌ محليةٌ وليستْ على شكلِ الأرضِ بالكاملِ. كيف
يحدثُ ذلك، عزيزي؟
لكن لو
ضغطتَ على أحدِ العلماءِ وسألته: "كيف يكونُ نهرٌ يمشي من تحتِ الاستواءِ،
عابرًا الانحناءَ، ومكملًا إلى الشمالِ؟"، سيجيبك: "لا لا لا، أنتَ
فهمتَ الأمرَ خطأً. الأرضُ ليستْ كرةً بالضبطِ كما تتخيلُ. نحنُ فقط نقربُ لك
الشكلَ، لكن الأرضَ في شكلِها الحقيقيِّ هي شكلٌ معقدٌ يسمى الجيود، ورغمَ أنه
قريبٌ من الشكلِ الكرويِّ، إلا أنه ليس كرويًا بالضبطِ. لذلك، اتجاهاتُ 'الأعلى'
و'الأسفل' هي اتجاهاتٌ نسبيةٌ."
هل
تعتقدُ أنَّ هذا الردَّ منطقيٌّ علميًا؟ هل تشعرُ أنه مقنعٌ؟ فجأةً بعدَ كلِّ هذه
السنينِ التي درسنا فيها أنَّ الأرضَ كرويةٌ، عادوا في فترةٍ وقالوا: "لا، هي
ليستْ كرويةً، بل بيضاويةً." ثم الآن، عندما يُضغط عليهم في الأسئلةِ،
يقولون: "لا، هي لا كرويةٌ ولا بيضاويةٌ، بل هي شكلٌ مختلفٌ." وعندما
يتحدثون عن الجاذبيةِ، يقولون لنا في البدايةِ أنَّ الماءَ سيتدفقُ من الأسفلِ إلى
الأعلىِ بسببِ الجاذبيةِ، ثم يغيرونَ رأيهم ويقولونَ: "لا، الأرضَ بأكملها
ليستْ كرويةً، والأعلىُ والأسفلُ هما اتجاهاتٌ نسبيةٌ."
أنا،
عزيزي، أبحثُ معك عن أسبابٍ في النظريةِ الكرويةِ، لكنني لم أتمكنْ من العثورِ على
إجابةٍ مقنعةٍ، فكيف يمكنُ أن يكونَ هناكَ نهرانِ جنبًا إلى جنبٍ: أحدُهما يجري من
الأعلى إلى الأسفلِ، والآخرُ من الأسفلِ إلى الأعلىِ؟ على فكرةٍ، نهرُ النيلِ ليس
المثالَ الوحيدَ على الأرضِ، فمثلًا إذا نظرتَ إلى الأنهارِ المشهورةِ مثلَ نهرِ
الأمازونِ والنهرِ الأصفرِ، ستجدُ أنَّ مساراتِ الأنهارِ تكونُ بنفسِ الطريقةِ، من
اتجاهِ المنبعِ إلى المصبِّ، على شكلِ كرةٍ. لكنني اخترتُ نهرَ النيلِ، عزيزي،
لأنه يحتوي على الكثيرِ من المغالطاتِ التي يمكنُ تطبيقُها على كلِّ الأنهارِ في
العالمِ. فكيف يكونُ نهرُ النيلِ، بطولهِ الذي يصلُ إلى 6500 كم، قادمًا من
الجنوبِ قبلَ خطِّ الاستواءِ، ثم يصلُ إلى نقطةِ الشمالِ في البحرِ المتوسطِ؟ هذا
أمرٌ لا يمكنُ أن يتفقَ مع نموذجِ الكرةِ الأرضيةِ.
لكن،
سيكونُ أمرًا طبيعيًا جدًا إذا كانت الأرضُ مسطحةً وعاديةً، بها تضاريسُ مرتفعةٌ
ومنخفضةٌ. لكنكم اخترعتم نموذجَ الكرةِ الأرضيةِ وصدقناها، واختراعتم الجاذبيةَ
وصدقناها، والآن يجبُ عليكم إيجادُ شيءٍ يوضحُ لنا كيف تجري الأنهارُ في اتجاهاتٍ
مختلفةٍ على نفسِ النموذجِ الكرويِّ. إذا لم تتمكنْ من ذلكَ، هل ستقولُ أنَّ
نيوتنَ وأينشتاينَ كانا على خطأٍ؟
إِذَا
لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ ذَٰلِكَ، هَلْ سَتَقُولُ أَنَّ نُيُوتُنْ وَآينْشْتَايْنْ
كَانَا عَلَىٰ خَطَأٍ؟ هَلْ سَنَقُولُ أَنَّ الجَاذِبِيَّةَ الَّتِي دَرَسْنَاهَا
طَوَالَ هَذِهِ السِّنِينَ لَيْسَتْ إِلَّا مُجَرَّدَ كَلاَمٍ فَارِغٍ؟ رُبَّمَا
تَكُونُ هُنَاكَ بَعْضُ الأَسْئِلَةِ الَّتِي لَمْ نَتَطَرَّقْ لَهَا فِي
السَّابِقِ، لَكِنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَفْكَارِ تَفْتَحُ الْبَابَ أَمَامَنَا
لِلتَّفْكِيرِ بِشَكْلٍ أَعْمَقَ.
إِذَا
كُنَّا نُصَدِّقُ النَّمَاذِجَ الكُرَوِيَّةَ لِلْأَرْضِ، فَهَلْ مِنْ المُمْكِنِ
أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ قَوَانِينَ فِيزِيَائِيَّةٍ أُخْرَى تُؤَثِّرُ عَلَىٰ
حَرَكَةِ الأَنْهَارِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ الجَاذِبِيَّةِ الَّتِي نَعْرِفُهَا؟
هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ ظَواهِرُ لَمْ نَكْتَشِفْهَا بَعْدُ تُفَسِّرُ
هَذِهِ الظَّاهِرَةَ؟ رُبَّمَا تَكُونُ الجَاذِبِيَّةُ الَّتِي نَعْرِفُهَا
لَيْسَتِ العَامِلَ الوَحِيدَ الَّذِي يَتَحَكَّمُ فِي حَرَكَةِ المِيَاهِ.
هُنَاكَ
اِحْتِمَالٌ أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ قَدْ تَتَأَثَّرُ بِجَاذِبِيَّةٍ أُخْرَى، أَوْ
أَنْ هُنَاكَ تَفْسِيرًا فِيزِيَائِيًّا جَدِيدًا قَدْ يُغَيِّرُ المَفَاهِيمَ
القَدِيمَةَ. رُبَّمَا تَكُونُ هُنَاكَ تَفَاصِيلُ لَمْ نَتَعَلَّمْهَا بَعْدُ
عَنْ كَيْفِيَّةِ تَأْثِيرِ اِنْحِنَاءِ الأَرْضِ عَلَىٰ تَدَفُّقِ المِيَاهِ فِي
الأَنْهَارِ. لِذَا، فَمِنَ المُهِمِّ أَنْ نُعِيدَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ
المَفَاهِيمِ القَدِيمَةِ، وَنَحْتَسِي تَفْسِيرًا قَدْ يَفْتَحُ لَنَا أُفُقًا
جَدِيدًا.
إِنَّ
السُّؤَالَ عَنْ كَيْفِيَّةِ تَدَفُّقِ الأَنْهَارِ هُوَ سُؤَالٌ مُثِيرٌ
لِلْاِهْتِمَامِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هُنَاكَ الْكَثِيرَ مِنَ الأَسْئِلَةِ
الأُخْرَى الَّتِي قَدْ تَبْقَىٰ دُونَ إِجَابَةٍ. مِنَ المُهِمِّ أَنْ نُوَاصِلَ
البَحْثَ وَنَسْتَمِرَّ فِي اسْتِكْشَافِ الحَقَائِقِ الَّتِي لَا تَزَالُ
غَامِضَةً. وَلَكِنْ إِلَىٰ أَنْ نَصِلَ إِلَىٰ إِجَابَةٍ شَافِيَةٍ، يَبْقَىٰ
الجَدَلُ قَائِمًا.
فِي
النِّهَايَةِ، عَزِيزِي، رُبَّمَا لَمْ نَجِدْ الإِجَابَةَ النِّهَائِيَّةَ عَلَىٰ
هَذِهِ الأَسْئِلَةِ حَتَّىٰ الآنَ، لَكِنَّنَا نَكُونُ مُتَأَكِّدِينَ أَنَّ
استكشافَ هَذِهِ الظَّاهِرَاتِ يَجْعَلُكَ تَفْتَحُ ذِهْنَكَ وَتَبْحَثُ عَنْ
إِجَابَاتٍ قَدْ تَكُونُ مُخْتَلِفَةً عَنْ كُلِّ مَا تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
وَتَذَكَّرْ أَنَّ العِلْمَ لَيْسَ ثَابِتًا، وَأَنَّهُ فِي تَطَوُّرٍ مُسْتَمِرٍ،
لِذَا فَلَا تَقْتَصِرْ عَلَىٰ مَا تَعَلَّمْتَهُ اليَوْمَ فَقَطْ، بَلِ
اسْتَمِرَّ فِي الاسْتِفْسَارِ وَالبَحْثِ.
رُبَّمَا
تَكُونُ الإِجَابَةُ الَّتِي نَحْنُ فِي صَدَدِ البَحْثِ عَنْهَا بَعِيدَةً عَنْ
مُتَنَاوَلِنَا الآنَ، وَرُبَّمَا سَتَأْتِي يَوْمًا مَا، أَوْ قَدْ تَكُونُ
مَوْجُودَةً وَلَكِنَّنَا لَمْ نَكْتَشِفْهَا بَعْدُ. وَلَكِنْ فِي كُلِّ حَالٍ،
يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَكُونَ مُسْتَعِدِّينَ لِاسْتِقْبَالِ الأَفْكَارِ
الجَدِيدَةِ وَالنَّظَرِيَّاتِ الَّتِي قَدْ تُسَاعِدُ فِي تَفْسِيرِ
الظَّاهِرَاتِ الَّتِي نَرَاهَا عَلَىٰ الأَرْضِ، بِمَا فِي ذَٰلِكَ تَدَفُّقُ
الأَنْهَارِ فِي اتِّجَاهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
فِي
النِّهَايَةِ، عَزِيزِي، عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ دَائِمًا مُتَسَائِلِينَ
وَنُحَافِظَ عَلَىٰ فُضُولِنَا العِلْمِيِّ. نَحْنُ فِي حَاجَةٍ إِلَىٰ أَنْ
نَفْتَحَ عُقُولَنَا لِكَثِيرٍ مِنَ الاحْتِمَالَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ
بِنَظَرِيَّةِ الجَاذِبِيَّةِ الَّتِي نَعْرِفُهَا أَوْ بِنَظَرِيَّاتٍ جَدِيدَةٍ
قَدْ تَطْرَأُ مَعَ تَقَدُّمِ العُلُومِ. لَكِنَّ الأَهَمَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
هُوَ أَنْ نَتَعَلَّمَ كَيْفِيَّةَ سَأَلِ الأَسْئِلَةِ الصَّحِيحَةِ، وَنَسْعَى
فِي
النِّهَايَةِ، عَزِيزِي، عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ دَائِمًا مُتَسَائِلِينَ
وَنُحَافِظَ عَلَىٰ فُضُولِنَا العِلْمِيِّ. نَحْنُ فِي حَاجَةٍ إِلَىٰ أَنْ
نَفْتَحَ عُقُولَنَا لِكَثِيرٍ مِنَ الاحْتِمَالَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ
بِنَظَرِيَّةِ الجَاذِبِيَّةِ الَّتِي نَعْرِفُهَا أَوْ بِنَظَرِيَّاتٍ جَدِيدَةٍ
قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ تَفَاهُمًا وَتَفَسِيرًا لِلظَّاهِرَاتِ الَّتِي نَرَاهَا
فِي طَبِيعَتِنَا. فَفِي النِّهَايَةِ، العِلْمُ يَتَطَوَّرُ بَاستِمْرَارٍ
وَمَسَارَاتُهُ تَكُونُ فِي تَغْيُّرٍ مُسْتَمِرٍّ. لِذَا، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ
نَكُونَ فِي تَرَقُّبٍ لِكُلِّ مَا هُوَ جَدِيدٌ فِي فِكْرِ الْبَشَرِ، لَا
نَحْتَسِي الْمَعْرِفَةَ كَمَا هِيَ فَقَطْ، بَلْ نَسْتَمِرُّ فِي تَحْسِينِ
فَهْمِنَا لِلْعَالَمِ مِنْ حَوْلِنَا.
وَإِذَا
كُنَّا نَسْتَمِرُّ فِي تَفَكُّرِ أَمَامَ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ، فَلَا بُدَّ لَنَا
أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ العِلْمَ لَا يَأْتِي مَرَّةً بِوَجْهٍ وَاحِدٍ فَقَطْ. هُوَ
يَتَطَوَّرُ وَيَتَشَابَكُ مَعَ نَظَرَاتٍ وَفِكْرٍ جَدِيدٍ. لِذَا، عَزِيزِي،
يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَظَلَّ مُنْتَبِهِينَ وَنُجَاوِبُ أَفْكَارَنَا بِقُدْرَةٍ
عَلَىٰ القَبُولِ وَالتَّطَوُّرِ.
فَصُدُورُنَا
فَتْحَةٌ لِلتَّسَاؤُلَاتِ الجَدِيدَةِ وَلَمْ تَكُونُ قَابِلَةً لِلتَّحْجِيمِ
أَوِ الاِقْتِصَارِ عَلَىٰ تَفْسِيرَاتٍ مَقْتَصَرَةٍ. فَالتَّفْكِيرُ العَمِيقُ
وَالبَحْثُ عَنْ إِجَابَاتٍ جَدِيدَةٍ هُوَ مَا سَيُحَفِّزُنَا لِفَهْمِ
طَبِيعَتِهِا وَقُوَّتِهِا وَبِذَلِكَ نَكُونُ قَدْ تَفَجَّرْنَا كَشَفَاتٍ
جَدِيدَةٍ لِلْعَالَمِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ.