مُعْجِزاتُ الأَنْبِياءِ: دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَصِدْقِ رِسَالاتِهِمْ
مُعْجِزاتُ الأَنْبِياءِ، مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هِيَ شَواهِدُ خالِدَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَيْثُ أَيَّدَ اللهُ أَنْبِياءَهُ بِمُعْجِزاتٍ خارِقَةٍ لِلْعادَةِ، دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ رِسالاتِهِمْ، وَلِكَيْ يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللهِ حَقًّا. فَما هِيَ مُعْجِزاتُ الأَنْبِياءِ الكِرامِ؟ وَكَيفَ أُيِّدوا بِما يُخْرِجُ عَنْ قُدُراتِ الْبَشَرِ الْعادِيَّةِ إِلى ما فَوْقَ حُدودِ الطَّبيعَةِ؟ سَنَخُوضُ في هَذا النَّصِّ في قِصَصِهِم وَمُعْجِزاتِهِم الَّتي أَيَّدَهُم اللهُ بِها، لِيَكُونَ دَليلًا لِكُلِّ مَنْ يَشْتاقُ إِلَى طَلَبِ الْحَقِّ.
ما هي المعجزة؟
المُعْجِزَةُ لُغَةً هِيَ ما أَعْجَزَ وَأَتى بِما يُعْجِزُ عَنْهُ سائِرُ النّاسِ. فَهِيَ كَسْرٌ لِلْعادَةِ وَتَحْديُدٌ لِكُلِّ ما يَعْرِفُهُ البَشَرُ وَيَحْتَرِفُونَهُ. وَقَدِ اخْتارَ اللهُ أَنْبِياءَهُ لِيُؤَيِّدَهُمْ بِمُعْجِزاتٍ تُذْهِبُ الْعُقُولَ، وَتَقْهَرُ الشُّكوكَ، وَتَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَالمُعْجِزَةُ هِيَ الَّتي تَجْعَلُ الأَنْبِياءَ يَتَفَرَّدونَ عَنِ البَشَرِ، وَتَكْسِرُ كُلَّ قاعِدَةٍ أَجْراها اللهُ عَلَى عِبادِهِ فِي الدُّنْيا. كُلُّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ في زَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَأُيِّدَ بِمُعْجِزَةٍ تُناسِبُ ما بَرَعَ فيهِ قَوْمُهُ، لِيَكُونَ الإِعْجازُ أَوْضَحَ، وَالْحُجَّةُ أَقْوَى، فَتَكونُ قُدْرَةُ اللهِ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ وَدَليلًا قاطِعًا عَلى نَبُوَّتِهِ.
آدم عليه السلام - أولُ معجزةٍ في الخليقة
سَيِّدُنا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَبُو الْبَشَرِ وَأَوَّلُ الأَنْبِياءِ، خُلِقَ مِنْ تُرابٍ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ نُفِخَ فيهِ مِنْ رُوحِهِ. هَذِهِ الْخَلِيقَةُ النَّقِيَّةُ الْمُتَفَرِّدَةُ، الَّتي جَعَلَتْ مِنْ آدَمَ أَوَّلَ مَخْلوقٍ عاقِلٍ بَشَرِيٍّ، كَانَتْ مَعْجِزَةً بِنَفْسِها، فَاللهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْإِنْسانَ وَأَتْقَنَ صُنْعَهُ، وَجَعَلَ فيهِ نَفْخَةً مِنْ رُوحِهِ تَفْصِلُهُ عَنِ البَهائِمِ وَالْكَائِناتِ. أُمِرَتِ الْمَلائِكَةُ بِالسُّجودِ لَهُ، كَرامَةً مِنَ اللهِ، وَلِيَكُونَ دَليلًا عَلَى قُدْرَةِ اللهِ فِي خَلْقِهِ، فَسَجَدوا كُلُّهُمْ إِلّا إِبْليسَ الَّذي اسْتَكْبَرَ وَكَفَرَ بِالْحَقِّ. وَكانَتْ مُعْجِزَةُ عِلْمِهِ لَها دَوْرٌ كَبيرٌ، فَاللهُ عَلَّمَ آدَمَ أَسْماءَ الْأَشْياءِ كُلَّها، ثُمَّ عَرَضَها عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَلَمْ يَعْرِفوا، وَقالُوا: "سُبْحانَكَ، لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا"، فَكانَتِ الْإِجابَةُ مِنْ آدَمَ دَليلًا عَلى مَعْرِفَتِهِ وَعِلْمِهِ الَّذي وَهَبَهُ اللهُ لَهُ. كَما خَلَقَ اللهُ مِنْ ضِلْعِهِ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ، وَهِيَ مَعْجِزَةٌ أُخْرى تُظْهِرُ قُدْرَةَ اللهِ فِي الْخَلْقِ وَالإِبْداعِ.
إدريس عليه السلام - النبيُّ المرفوع
سَيِّدُنا إِدْريسُ عَلَيْهِ السَّلامُ، كانَ ثانِي الأَنْبِياءِ بَعْدَ آدَمَ، وَأُرْسِلَ إِلَى قَوْمٍ مُمْتَنِعينَ عَنِ الإِيمانِ. عُرِفَ إِدْريسُ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَالِاجْتِهادِ في الطّاعَةِ وَالتَّفَكُّرِ في خَلْقِ اللهِ. قَدْ وَرَدَ في الكُتُبِ أَنَّهُ كانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَخْدَمَ الْقَلَمَ لِلْكِتابَةِ، وَأَوَّلَ مَنْ نَظَرَ في النُّجومِ وَحَرَكاتِها، فَكانَ اسْمُهُ مُشْتَقًّا مِنَ "الدِّراسَةِ" وَ"الدِّراسَةِ الْعِلْمِيَّةِ". قَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ صَحِيفَةً، كانَتْ تَحْمِلُ أَسْفارَ الحِكْمَةِ وَالتَّعالِيمَ الدِّينِيَّةَ. وَمِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزاتِهِ أَنَّ اللهَ رَفَعَهُ إِلَى السَّماءِ مَكانًا عَلِيًّا، لِيَكُونَ في مَقَامٍ مُقَرَّبٍ إِلَى اللهِ، وَتَبْقَى هَذِهِ الرِّفْعَةُ شَهادَةً عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَحُبِّهِ لأَنْبِيائِهِ الْكِرامِ.
نَبِيُّ اللهِ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، يُعْتَبَرُ مِنْ أَوائِلِ الأَنْبِياءِ بَعْدَ آدَمَ وَإِدْريسَ، وَيَحْمِلُ لَقَبَ "شَيْخِ الْمُرْسَلينَ"، كَما أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. أُرْسِلَ نُوحٌ إِلَى قَوْمٍ كانُوا يَعْبُدُونَ الأَصْنامَ، وَأَخَذَ يُبَلِّغُهُمْ رِسالَةَ التَّوْحيدِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ إِلّا خَمْسينَ عامًا، وَلَكِنَّ قَوْمَهُ كَذَّبوهُ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ. أَمَرَهُ اللهُ بِصُنْعِ سَفينَةٍ عَظِيمَةٍ، فَكانَ بِناؤُها عَلَى اليابِسَةِ يَدْعو لِلتَّعَجُّبِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَلَكِنَّ نُوحًا بَنى السَّفينَةَ بِإِذْنِ اللهِ. وَأَمَرَهُ اللهُ بَعدَ إِكْمالِها أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ أَهْلَهُ وَالْمُؤْمِنينَ وَزَوْجَينِ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللهُ الطُّوفانَ، فَغَرِقَ كُلُّ مَنْ كَذَّبَ نُوحًا وَصَعِدَ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنونَ. كَما أَنَّ الطُّوفانَ كانَ دَليلًا عَلَى عَظَمَةِ اللهِ، وَعِقابًا لِلْكَافِرينَ الَّذينَ أَصَرُّوا عَلَى الْكَفْرِ.