1. مِنْ بَيْنِ آلَافِ الْمَخْطُوطَاتِ الَّتِي
تَوَارَثَتْهَا الْأَجْيَالُ عَبْرَ الْقُرُونِ، بَرَزَتْ مَخْطُوطَةٌ قَدِيمَةٌ
تُعَدُّ جُزْءًا مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ عِنْدَ الْيَهُودِ. هَذِهِ
الْمَخْطُوطَةُ تَحْمِلُ اسْمًا ذَا صِيتٍ رَنَّانٍ: «سِفْرُ إِسْتِير».
يَرْتَبِطُ هَذَا السِّفْرُ بِقِصَّةِ الْمَلِكَةِ الْيَهُودِيَّةِ الْفَاتِنَةِ
الَّتِي أَنْقَذَتْ قَوْمَهَا مِنْ حُكْمِ الْفُرْسِ وَالْمَجُوسِ، ثُمَّ اخْتَفَى
بَعْدَ أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ لِيَظْهَرَ مُجَدَّدًا فِي يَدِ أَحْفَادِ يَافَثَ
وَأَبْنَاءِ أَخِيهِ سَامٍ. وَأَثْنَاءَ انْشِغَالِ الْعَالَمِ بِالزَّلَازِلِ
وَإِرْسَالِ فِرَقِ الْإِغَاثَةِ، أَرْسَلَ الْكِيَانُ الْمُحْتَلُّ فَرِيقًا
بِحُجَّةِ الْمُسَاعَدَةِ وَالتَّدَخُّلِ الْإِنْسَانِيِّ، وَلَكِنَّ الْغَرَضَ
الْحَقِيقِيَّ كَانَ - عَلَى مَا يُرَوَّجُ - السَّيْطَرَةُ عَلَى هَذِهِ
الْمَخْطُوطَةِ وَاقْتِنَاصُهَا مِنْ أَيْدِي الْأَتْرَاكِ.
▁▁▁
سِفْرُ إِسْتِير وَأَهَمِّيَّتُهُ
فِي الْتَّرَاثِ الْيَهُودِيِّ
يَعُدُّ الْيَهُودُ «سِفْرَ إِسْتِير» جُزْءًا جَوْهَرِيًّا مِنَ
التَّنَاخِ، وَهُوَ الْمَجْمُوعَةُ الَّتِي تَضُمُّ التَّوْرَاةَ وَالْكُتُبَ
الْمُقَدَّسَةَ الْأُخْرَى. يَتَنَاوَلُ هَذَا السِّفْرُ جَوَانِبَ مُخْتَلِفَةً
مِنْ عَادَاتِ الْيَهُودِ وَتَقَالِيدِهِمْ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى تَرْوِي جُزْءٍ
مِنْ تَارِيخِهِمُ الْقَدِيمِ، لِسِيَّمَا فِي فَتْرَةِ حُكْمِ الْفُرْسِ بَعْدَ
دُخُولِهِمْ تَحْتَ سَيْطَرَةِ مَلَكِ بَابِلَ الشَّهِيرِ نَبُوخَذْنَصَّرَ. إِنَّ
مَا يُمَيِّزُ «سِفْرَ إِسْتِير» هُوَ أَنَّهُ كَشَفَ عَنِ الْحِلْفِ
التَّارِيخِيِّ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْفُرْسِ الْمَجُوسِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ
أَلْفَيْ عَامٍ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَسَالِيبِ الْمَكْرِ وَالدَّهَاءِ الَّتِي
اتَّبَعَهَا مُرْدَخَاي وَابْنَةُ عَمِّهِ إِسْتِير فِي قَصْرِ الْمَلِكِ
أَحْشَوِيرُوش.
فِي السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ فِبْرَايِرَ
مِنْ هَذَا الْعَامِ، أَرْسَلَتْ مُنَظَّمَةُ «يُونَايْتِدْ هَتْسَلَا»
الْيَهُودِيَّةُ فَرِيقًا مِنْ أَرْبَعِينَ مُتَطَوِّعًا إِلَى جَنُوبِ تُرْكِيَّا
لِلمُشَارَكَةِ فِي جُهُودِ الْإِغَاثَةِ بَعْدَ الزَّلَازِلِ الْعَنِيفَةِ. كَانَ
مِنَ الْمُقَرَّرِ عَوْدَتُهُمْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ
انْسَحَبُوا مُبَكِّرًا بِحُجَّةِ «تَهْدِيدٍ أَمْنِيٍّ مُلِحٍّ». ثُمَّ ظَهَرَتْ
تَقَارِيرُ تُفِيدُ بِأَنَّ الْفَرِيقَ الْإِسْرَائِيلِيَّ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى
مَخْطُوطَةٍ تَوْرَاتِيَّةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ بَقَايَا كَنِيسٍ تَهَدَّمَ فِي
مَدِينَةِ أَنْطَاكِيَّا. وَمَعَ إِعْلَانِ وِزَارَةِ الثَّقَافَةِ وَالسِّيَاحَةِ
التُّرْكِيَّةِ مُتَابَعَتَهَا لِلْقَضِيَّةِ، أَكَّدتْ الْجَالِيَّةُ
الْيَهُودِيَّةُ التُّرْكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَخْطُوطَةَ بِحَوْزَةِ
حَاخَامَاتِهِمْ وَأَنَّهُمْ سَيُعِيدُونَهَا بَعْدَ تَرْمِيمِ الْكَنِيسِ، وَمَعَ
ذَلِكَ فَهِيَ حَتَّى اللَّحْظَةِ لَمْ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِ تُرْكِيَّا، عَلَى
خِلَافِ مَا تُرَوِّجُهُ بَعْضُ الْمِنَابِرِ الْإِعْلَامِيَّةِ.
▁▁▁
الْقِصَّةُ الْقَدِيمَةُ لِسِفْرِ
إِسْتِير
تَعُودُ الْأَحْدَاثُ، بِحَسَبِ الرِّوَايَةِ التَّارِيخِيَّةِ
الْمُسَجَّلَةِ فِي العَهْدِ الْقَدِيمِ، إِلَى نَحْوِ عَامِ ٤٧٥ قَبْلَ
الْمِيلَادِ، وَتَدُورُ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ الْفَارِسِيِّ أَحْشَوِيرُوش (أَوْ
خَشَايَارْشَا). كَانَتْ سَيْطَرَتُهُ تَمْتَدُّ مِنَ الْهِنْدِ إِلَى كُوشٍ،
وَتَشْهَدُ بِذَلِكَ نُصُوصٌ عَدِيدَةٌ عَنِ اتِّسَاعِ حُكْمِهِ. عَقَدَ الْمَلِكُ
وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِرُؤَسَائِهِ وَعَبِيدِهِ وَجَيْشِهِ دَامَتْ مِئَةً
وَثَمَانِينَ يَوْمًا مِنَ الْفَخَامَةِ وَالْبَذَخِ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا
بِوَلِيمَةٍ ثَانِيَةٍ لِسُكَّانِ «شُوشَنِ الْقَصْرِ» اسْتَمَرَّتْ سَبْعَةَ
أَيَّامٍ مَمْلُوءَةً بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمَرَحِ.
فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَبَعْدَ أَنْ طَابَ
قَلْبُ الْمَلِكِ بِالْخَمْرِ وَالْأُنْسِ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ مَلِكَتِهِ
«وَشْتِي» لِيُرِيَهَا لِلْجَمْعِ بِجَمَالِهَا وَزِينَتِهَا. غَيْرَ أَنَّ
وَشْتِي أَبَتْ أَنْ تَمْثُلَ أَمَامَهُمْ، فَاشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ،
وَطَرَدَهَا مِنَ الْقَصْرِ وَعَزَلَهَا عَنِ الْعَرْشِ. ثُمَّ بِوَاسِطَةِ
الْخِصْيَانِ، جُمِعَتِ الْعَذَارَى الأَجْمَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ
لِيَخْتَارَ مِنْهُنَّ مَلِكَةً بَدِيلَةً. وَهُنَا ظَهَرَتِ الْفَتَاةُ
الْيَهُودِيَّةُ «هَدَسَّةُ» – وَهُوَ اسْمُ إِسْتِير الْأَصْلِيُّ – الَّتِي
رَبَّاهَا ابْنُ عَمِّهَا «مُرْدَخَاي» بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدَيْهَا.
سَرْعَانَ مَا وُقِعَ اخْتِيَارُ الْمَلِكِ عَلَى
إِسْتِير، فَأَصْبَحَتْ الأَقْرَبَ إِلَيْهِ. وَبِتَوْجِيهٍ مِنْ مُرْدَخَاي،
كَتَمَتْ هُوِيَّتَهَا الْيَهُودِيَّةَ عَنْ قَصْرِ الْمَلِكِ. بَعْدَ حِينٍ،
وَنَظَرًا لِنُفُوذِ مُرْدَخَاي وَاسْتِخْدَامِهِ مَهَارَاتِ الْمَكْرِ
وَالدَّهَاءِ، أَصْبَحَ وَزِيرًا مُقَرَّبًا وَذَاتَ شَأْنٍ فِي الدَّوْلَةِ
الْفَارِسِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ الْقَرِيبَ مِنْ الْمَلِكِ أَيْضًا، هُوَ
«هَامَانُ بْنُ هَمَدَاثَا»، كَانَ يَحْمِلُ كُرْهًا عَمِيقًا لِمُرْدَخَاي
بَعْدَمَا رَفَضَ الْأَخِيرُ الرُّكُوعَ أَمَامَهُ. فَسَعَى هَامَانُ إِلَى
إِبَادَةِ جَمِيعِ الْيَهُودِ فِي إِمْبَرَاطُورِيَّةِ أَحْشَوِيرُوش، وَأَصْدَرَ
الْأَوَامِرَ بِذَلِكَ مُسْتَغِلًّا خَاتَمَ الْمَلِكِ.
تَحَرَّكَ مُرْدَخَاي لِإِحْبَاطِ خُطَّةِ
هَامَان، فَأَظْهَرَ حُزْنًا شَدِيدًا فِي الْمَدِينَةِ حَتَّى يَصِلَ صَوْتُهُ
إِلَى إِسْتِير فِي دَاخِلِ الْقَصْرِ. وَبِفِعْلِ حُسْنِ جَمَالِ إِسْتِير
وَاسْتِغْلَالِهَا لِغَرَائِزِ الْمَلِكِ، دَعَتْ أَحْشَوِيرُوش إِلَى وَلِيمَةٍ
وَطَلَبَتْ أَنْ يَأْتِيَ مَعَهَا هَامَانُ. ثُمَّ بِحُنْكَةٍ وَمَكِيدَةٍ،
أَقْنَعَتِ الْمَلِكَ بِخَطَرِ هَامَان عَلَى حُكْمِهِ وَأَنَّهُ يُرِيدُ دَمَارَ
قَوْمِهَا. فَاشْتَعَلَ الْمَلِكُ غَيْظًا، وَأَمَرَ بِصَلْبِ هَامَانَ عَلَى
الْخَشَبَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمُرْدَخَاي، ثُمَّ تَمَّ إِلْغَاءُ قَرَارِ
إِبَادَةِ الْيَهُودِ. فَبِهَذَا الْأُسْلُوبِ، أُرْسِيَ تَحَالُفٌ مَتِينٌ بَيْنَ
الْيَهُودِ وَالْفُرْسِ لا يَزَالُ مُسْتَمِرًّا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ بِصُورٍ
مُخْتَلِفَةٍ.
▁▁▁
سِفْرُ إِسْتِير وَعِيدُ
الْمَسَاخِرِ (بُورِيم)
تُشَكِّلُ هَذِهِ الْقِصَّةُ الْأَسَاسَ لِعِيدِ «بُورِيم»
الْمَعْرُوفِ بِعِيدِ الْمَسَاخِرِ. فَبِدَايَةً مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ مِنْ
شَهْرِ مَارَسَ كُلَّ عَامٍ، يَحْتَفِلُ الْيَهُودُ بِهَذَا الْعِيدِ عَلَى مَدَى
ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَاعَةً، وَيَقْرَؤُونَ سِفْرَ إِسْتِير بِصَوْتٍ عَالٍ
مَرَّتَيْنِ. وَسُمِّيَ «الْمَسَاخِر» - بِحَسَبِ بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ -
كِنَايَةً عَنْ سُخْرِيَةِ الْيَهُودِ بِمَنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ سَيُفْنُونَهُمْ
فِي الْمَاضِي، أَوْ لِكَوْنِهِمْ يَقُومُونَ بِأَلْعَابٍ وَتَنَكُّرٍ وَضَحِكٍ
فِي تِلْكَ اللَّيَالِي.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ
الْمَسِيحِيِّينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْقِصَّةَ خَيَالِيَّةٌ؛ لِأَنَّ سِفْرَ
إِسْتِير لا يَذْكُرُ اسْمَ اللهِ أَبَدًا، فَإِنَّ بَعْضَ رِجَالِ الدِّينِ
عِنْدَهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ «الْعِنَايَةَ الْإِلَهِيَّةَ» تَتَجَلَّى ضِمْنِيًّا.
بَيْنَمَا اعْتَبَرَتْ جَمَاعَةُ قُمْرَانَ – الَّتِي انْتَسَبَتْ إِلَى
مَخْطُوطَاتِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ – أَنَّهُ سِفْرٌ «غَيْرُ قَانُونِيٍّ»؛
لِأَنَّهُ يَكْشِفُ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لِلشَّكِّ أُسْلُوبَ الْتَّغَلْغُلِ
وَالْمُخَادَعَةِ لَدَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَصِفُ بِوُضُوحٍ تَحَالُفَهُمْ
الْقَدِيمَ مَعَ الْفُرْسِ وَاسْتِخْدَامَ النِّسَاءِ الْجَذَّابَاتِ
لِلتَّأْثِيرِ عَلَى صُنَّاعِ الْقَرَارِ.
▁▁▁
أَهَمِّيَّةُ الْمَخْطُوطَةِ
وَسَبَبُ الْبَحْثِ عَنْهَا الْآنَ
يُعْتَبَرُ سِفْرُ إِسْتِير الْمَخْطُوطَةَ الْخَامِسَةَ ضِمْنَ
مَجْمُوعَةِ «الْمِجِيلُوتِ» (الرُّعُوثُ، نَشِيدُ الْأَنَاشِيدِ، الْجَامِعَةُ،
الْمَرَاثِي، وَأَخِيرًا إِسْتِير). وَيَرَى الْيَهُودُ أَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ
الْخَمْسِ فِي حَوْزَتِهِمْ يُحَقِّقُ لَهُمْ مَرْحَلَةً مُهِمَّةً مِنَ
«الْكَامَلِيَّةِ» النَّصِّيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ. وَهُنَاكَ مَنْ يَرَى أَنَّ
تَمَامَ الْخَمْسِ الْآنَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى اقْتِرَابِ مَا يُسَمَّى فِي
الْأُطْرُوحَاتِ الْعَقَدِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ بِـ«الْعُلُوِّ الثَّانِي»، أَيْ
سَيْطَرَتِهِمْ عَلَى الْعَالَمِ انْطِلَاقًا مِنَ الْقُدْسِ.
إِنَّ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً تُؤَكِّدُ أَنَّ
«سِفْرَ إِسْتِير» يُظْهِرُ اسْتِرَاتِيجِيَّةَ الْجَاسُوسِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ
الْقَدِيمَةِ، وَاسْتِخْدَامَ النِّسَاءِ الْفَاتِنَاتِ لِلإِيقَاعِ بِالْخُصُومِ.
وَهُوَ نَفْسُهُ الْأُسْلُوبُ الَّذِي يَزْعُمُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ
مَايْزَالُ يُمَارَسُ عَلَى صَعِيدِ السِّيَاسَةِ وَالِاقْتِصَادِ حَوْلَ
الْعَالَمِ. وَإِنَّ عَائِلَةً يَهُودِيَّةً نَافِذَةً كَـ«رُوتْشِلْد» غَالِبًا
مَا تُذْكَرُ فِي سِيَاقِ تَطْبِيقِ نُصُوصٍ تُحَاكِي خُطَطَ «مُرْدَخَاي» فِي
سِفْرِ إِسْتِير.
عَلَى صَعِيدٍ آخَرَ، يُقَالُ إِنَّ تَعَالِيمَ
الْيَهُودِ الْبَاطِنِيَّةَ تُحَرِّمُ هَذِهِ الْمُمَارَسَاتِ عَلَى الْيَهُودِ
أَنْفُسِهِمْ، فَيَظَلُّونَ بِمَظْهَرِ الْمُحَافِظِينَ، بَيْنَمَا يُكَلِّفُونَ
الْمُجَنَّدِينَ وَالْمُجَنَّدَاتِ مِنْ خَارِجِ بِيئَتِهِمِ الْأَصْلِيَّةِ
بِالتَّوَرُّطِ بِهَذِهِ الْأَسَالِيبِ، لِخِدْمَةِ مَا يَعْتَبِرُونَهُ
«الْغَايَةَ الْعُلْيَا» وَ«الْهَدَفَ الْأَسْمَى» لِلْأُمَّةِ الْعِبْرِيَّةِ.
وَهَكَذَا يَظَلُّونَ هُمْ - فِي نَظَرِ أَنْفُسِهِمْ - فِي مَنَأًى عَنِ
الْمُحَرَّمَاتِ.
▁▁▁
الْخِتَامُ وَالْخُلَاصَةُ
إِنَّ اعَادَةَ اكْتِشَافِ مَخْطُوطَةِ إِسْتِير وَضَمِّهَا إِلَى
الْمَجْمُوعَةِ الْكَامِلَةِ لَهَا دَلَالَةٌ رَمْزِيَّةٌ وَسِيَاسِيَّةٌ لَدَى
الْيَهُودِ. فَهِيَ فِي نَظَرِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِشَارَةٌ لِقُرْبِ مَرَاحِلَ
جَدِيدَةٍ فِي خُطَطِهِمِ الْكُبْرَى، وَرُبَّمَا يَرْتَبِطُ ذَلِكَ بِصِرَاعَاتٍ
وَتَغْيِيرَاتٍ عَالَمِيَّةٍ آتِيَةٍ. وَمِنَ الْمُسَلَّمِ بِهِ عِنْدَ كَثِيرٍ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْدَاثَ،
إِذَا صَحَّتِ التَّوَقُّعَاتُ بِشَأْنِهَا، فَسَتَكُونُ مَدْخَلًا لِمَرْحَلَةٍ
عَظِيمَةٍ مِنَ الْاحْتِكَاكِ وَالتَّطَوُّرِ، وَرُبَّمَا تُمْهِدُ لِنِهَايَةٍ
مَكْتُوبَةٍ تَخْتَلِفُ عَنْ كُلِّ التَّصَوُّرَاتِ الْبَشَرِيَّةِ.
مَهْمَا يَكُنْ، فَإِنَّ هَذَا النَّصَّ يُلْقِي
الضَّوْءَ عَلَى جُزْءٍ مِنْ تَارِيخٍ طَوِيلٍ، لَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ الْأَحْدَاثَ
وَيُشَكِّلُ الْخَرَائِطَ السِّيَاسِيَّةَ وَالْفِكْرِيَّةَ وَالدِّينِيَّةَ فِي
الْعَالَمِ. وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَسْبَابَ قُوَّةِ الْآخَرِ
وَطَرَائِقَ نُفُوذِهِ حَتَّى يَحْمِيَ نَفْسَهُ وَأُمَّتَهُ مِنَ التَّبَعِيَّةِ
أَوِ الِاسْتِغْلَالِ. وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الْخِلَافَاتِ الدِّينِيَّةِ
وَالتَّفْسِيرِيَّةِ، فَإِنَّ الْقِصَّةَ تَشْهَدُ عَلَى أَنْ سِيَاقَاتِ الْعَالَمِ
الْقَدِيمِ تَتَكَرَّرُ فِي صُوَرٍ جَدِيدَةٍ، وَأَنَّ الْوَعْيَ بِهَا كَفِيلٌ
بِإِفَاقَةِ الْعُقُولِ لِتُفَكِّرَ فِي مَسَارِ الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ.
واللهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ.